استعراض قاموس المصطلحات باستعمال الفهرس

خاص | A | B | C | D | E | F | G | H | I | J | K | L | M | N | O | P | Q | R | S | T | U | V | W | X | Y | Z | أ | إ | آ | ا | ب | ت | ث | ج | ح | خ | د | ذ | ر | ز | س | ش | ص | ض | ط | ظ | ع | غ | ف | ق | ك | ل | م | ن | ه | و | ي | الكل

أ

Marwan Mkaremme

أدب الطفل وطفلية الأدب

بواسطة السبت، 29 أغسطس 2009، 4:01 ص - Marwan Mkaremme
 

{أدب الطفل وطفلية الأدب}

إعداد :مروان ماجد مكارم

إن الباحث في تطوّر أدب الأطفال ، ضمن الأدب العربي تحديداً ، سرعان ما سيستنتج وجود ظاهرتين أساسيتين رافقتا ظهور هذا الأدب أوائل القرن العشرين :

الأولى تبدو في خروج أدب الطفل من أحضان التعليم إلى أحضان التربية ، فغلب البعد التربوي على بقية الأبعاد الأخرى ، بل إن بعض الباحثين عدّوا الكتابة للأطفال عملاً تربويّاً بالدرجة الأولى،والظاهرة الثانية تبدو في دخول أدب الطفل في صراع مع الأفكار والتنازع الإيديولوجي ، مما لفتَ الأنظار إلى وظائف هذا الأدب في الخطاب الثقافي العربي بعد أن كان طفلنا يُخاطب من جهات خارجيّةٍ في ستّينيّات وسبعينيّات القرن الماضي من خلال سيول الكتب والدوريّات المترجمة أو المعرّبة.

وبغضّ النظر عن ماهيّة هاتين الظاهرتين ودورهما في تطوّر أدب الطفل أو تراجعه ، سأضيف ظاهرةً ثالثةً اكتسحتْ سمات هذا الأدب في الوقت الحالي وهي ما سأصطلح على تسميته بـ :

{ التسويق التجاري العكسي }! وما دعاني إلى ذلك اكتشاف أن الطفل أصبح سلعةً بدلاً من كونه هدفاً. ولتوضيح هذا المعنى أقول :

إنَّ كلَّ عملٍ فنّيٍّ أو أدبيٍّ أو علميٍّ ..الخ ، له غرضان يتمثّلُ أوّلهما في الهدف المنشود من هذا العمل ؛ هدفٍ فنّيّ ، هدفٍ تربويّ ، هدفٍ سياسيّ ، هدفٍ توجيهيّ ..الخ ،بينما يتمثّل الغرض الثاني في القيمة المادّيّة أو الفائدة الاقتصاديّة لمؤلّف هذا العمل وهو شيءٌ مشروعٌ وحقٌّ اقتصاديٌّ من الحقوق الخاصّة بكسب الرزق أو سبل العيش .. ويجب أن يحدثَ التوافقُ والتكاملُ بين الغرضين بنسبٍ متساويةٍ في أضعفِ الإيمان ليتمَّ تقييمُ هذا العمل أو ذاك بأنّه من الأعمال الناجحة . ولا ضير في أن يطغى الغرضُ الأول على الثاني باعتبار هذا الأخير تحصيلاً حاصلاً لنجاح الأول .

لكن ما يلفتُ النظر في كثيرٍ من الأعمال الموجّهةِ للأطفال في الآونة الأخيرة بأنّها عزّزت الغرض الثاني على حساب الأول الذي همّشتهُ .. وأعزو ذلك إلى أسبابٍ عدّة تعمّدتُ البحثَ في بعضٍ منها ، ليس إهمالاً للبعض الآخر ، وإنّما لثقتي بأنَّ البعضَ الهامَّ المدروسَ سيولّدُ البحثَ الذاتيَّ فيما تبّقى من أسبابٍ والذي سأتركه لمخيّلة المهتمّين ولبحث الباحثين .

وقد يتراءى للبعض في نهاية هذا البحث بأنّني وضعتُ حكاية أدب الطفل جانباً لأخوض في أشياءٍ أُخرى قد تبدو بعيدةَ العلاقة مع الموضوع الأساسيّ ، في حين أؤكّدُ بأنّها على درجةٍ من الأهميّة لتنتشلَ أطفالنا من الضياع الأدبيّ والعلميّ والتربويّ والثقافيّ الذي قد تضعهم فيه تلك القصّةُ أو تلكَ المسرحيّة أو تلك القصيدةُ ممّا يملأ واجهات مكتباتنا العامّة والخاصة حيناً ، و ممّا تسلّقَ - وللأسف - إلى أمتانِ مناهجنا التعليميّة الرسمية حيناً آخر .

وسأتناول في البحث من تلك الأسباب السابقة الذكر ما يلي :

1- عدم الفهم الدقيق لخصوصيّة الطفل في مراحل نموّه العقليّة و الجسديّة المتتابعة .

2- عدم مراعاة الحاجات الطفوليّة المرتبطة بكلِّ مرحلةٍ من مراحل تطوّر الطفل .

3- عدم خبرة كثيرٍ من الكتّاب في أساليب التربية الحديثة أو على الأقلّ الأساليب التربويّة الحاليّة التي يتلقّاها الطفل في المدرسة .

4- عدم تخصّصِ غالبيّة كتّاب أدب الطفل بدراسة أدب الطفل .

5- عدم خضوع الأعمال المترجمة أو المعرّبة لرقابةٍ تربويّةٍ صارمةٍ في معظم الأحيان .

6- عدم خضوع الكثير من الأعمال المستوردة من أقطارٍ عربيّة أُخرى لرقابةٍ " نفسيّةٍ اجتماعيّةٍ " .

7- التغاضي عن كثيرٍ من الأخطاء اللغويّة و العلميّة الفادحة في بعض الأعمال الخاصّةِ ، بما يتناقضُ مع المناهج التربويّة التعليميّة للّغة العربيّة .

8- عدم توجيه الأعمال إلى أعمارٍ محدّدة بنيّة ضمان شرائها من قبل جميع الشرائح العمريّة للأطفال .

9- عدم إيلاء أدب الطفل أهميّة رسميّة فعليّة بالقدر الكافي و المسؤول .

إنَّ الخبرةَ المكتسبة في تربية الطفل تبدأ من فهم خصوصيّة مراحل نموّه المختلفة ومراعاة حاجاته المرتبطة بكلّ مرحلة من مراحل تطوّره . ولقد كان البعض يرى في التربية التقليديّة أنّها لا تنسجم مع طبيعة الطفل وأن وسائلها تخالفُ نزعاته كما جعلها الله به ، فالطفلُ يحبُّ الطبيعةَ والهواء الطلقَ في حين أنَّ المدرسةَ التقليديّةَ تصرُّ على أنَّ مكان الدراسة غرفٌ مغلقةُ الأبواب ومرتفعةُ النوافذ .

والطفل بالفطرة نشيطٌ يحبُّ الحركة و لا يكاد يثبتُ في مكانه ولكنَّ المدرسةَ تفرضُ عليه أن يجمدَ في مكانه ، وهو فضوليٌّ بطبيعته يحبُّ أن يجسَّ الأشياء بيديه في حين ترغمه المدرسة على تلقّي الأفكار المجرّدة ! ولقد أنشأه الله على التدبير والتفكير بينما تجعله المدرسة جهازاً للاستظهار والحفظ وآلةً للتسجيل والنسخ والإعادة .

وإذا كانت مؤسساتنا التربويّة مهتمّةً إلى حدٍّ كبيرٍ بإعداد مدرّسين مربّين و معلّمين للأطفال ، فإنّها في الوقتِ نفسهِ لا تهتمُّ بإعداد أدباءَ متخصّصين في أدب الطفل ! ويُتركُ الأمر للاجتهاد الشخصيّ والعمل الذاتيّ من قبل أفرادٍ نسوْا أو تناسوْا في معظم الحالات أنَّ الكتابةَ للطفل تختلف عن الكتابة لأيّة شريحةٍ أُخرى وأنها تختلف عن الكتابة عن الطفل .

فأدب الطفل هو أدبٌ بنائيٌّ يقبله الطفل على علاّته ، بسلبيّاته و إيجابيّاته ، في حين أنَّ أدبَ الكبار اختياريٌّ يفسحُ المجال أمام القارىء بقبوله أو رفضه !

كان الفيلسوف والباحث الفرنسيّ جان جاك روسّو ( 1712- 1778 ) يرى بأنَّ الطبيعةَ قد خلقتِ الإنسان حرّاً سعيداً ، وانَّ الهيئة الاجتماعيّة هي التي تفسد عليه حرّيّته وسعادته ، وعليه فإنَّ من الواجب أن يظلَّ ، وهو بعدُ حديث العهد بالحياة الطبيعيّة الأصليّة ، قريباً قدر الإمكان من الطبيعة ، وعلى التربية " المدرسة " أن تعدّه بأن تحولَ بينه وبين أن يصبح بالغاً " قبل الأوان " . وقد وُصفتْ هذه الطريقة في حينها بالروحانيّة والصّوفيّة والمثاليّة بسبب تعظيمها للطبيعة والطفل وتمجيدها للدور الذي تنسبه لهما .

واستلهم الأديب الروسيّ ليون تولستوي (1828-1910) أفكار روسّو ففتح مدرسةً تجريبيّةً ريفيّةً في أراضيه الخاصّة سنة 1858 وكان في تمجيده للطبيعة وتقديسه الطفلَ يذهب مذهباً أبعد من روسّو ، فكان يرى أنَّ الطفلَ يولد كائناً كاملاً متكاملاً ، وشدّدَ على ضرورة أن يحيا طفولته في الأرياف ملاصقاً للطبيعة النقيّة . وركّزَ على تعظيم النشاط اليدوي الذي يقوم به الطفل ، وإعلاء شأن حرّيته الفرديّة وإبداعاته الفكريّة والفنّيّة والمهنيّة ، والإلحاح على التربية الأخلاقية السليمة ... ولا يزال يُعملُ بأفكار روسّو وتولستوي كمرجعين أساسيّين في التربية الحديثة حتى العصر الراهن .

ولكن ، أين نحن من كلِّ هذا ؟ إنَّ كثيراً من القصص والأعمال الأدبيّة الأُخرى الموجهة لأطفالنا ساهمت في أن يصبحوا بالغين قبل الأوان ، متخطّين طفولتهم المسلوبة بسرعةٍ ، وعاجزين عن الإبداع ، ماهرين في التلقّي و الحفظ ، مقهورين مكبوتين ، يعيشون في تناقضٍ دائمٍ بين أفكارٍ مثاليّةٍ جمّعوها من قراءاتهم ، و واقعٍ جامدٍ تسيطرُ عليه أفكارٌ مشوّشةٌ تتقاذفهم هنا وهناك !

إنّ افتقار الكادر التعليمي في غالبيّة الأحيان إلى الخبرات الأدبيّة و اللغويّة انعكسَ سلباً على طريقة تلقّي الطفل للأدب المخصّص له أصلاً ، و لتوضيح ذلك سأعرضُ طريقة الباحث الفرنسي سيليستان فريني (1896-1966) في معالجة هذا الأمر:

يرى فريني أنَّ الوسيلة الطبيعيّة للتعلم ليست الملاحظة أو الشرح أو البرهنة بمقدار ما هي تلمّس الطالب طريقه تجريبيّاً ، فالطفل لا يتعلّم إلاّ بواسطة العمل ... و للأدب الدور البارز في هذا المجال ؛ فهو يرى مثلاً أن يجتمع طلاّب الصفّ في بداية كلّ أسبوعٍ في حلقة حول مدرّسهم ، ويقترح كلٌّ منهم على زملائه قصّةً يُستحسن أن تكون من بنات أفكاره ، وبعد مناقشتها يختار الطلاّب بإشراف مدرّسهم و توجيهاته قصّةً ما أو قصصاً مقترحةً ، ثمَّ ينشطون لكتابتها بأنفسهم ، كلٌّ بحسب طريقته و رؤيته لها ، ويضيفون هذه القصص إلى مجلّدٍ سمّاه فريني ( كتاب الحياة ) . ومن كتاب الحياة تُؤخذ المواد الضروريّة لتأليف مجلّة الحائط أو الجريدة المدرسية بالإضافة إلى مواضيعَ أُخرى كالتحقيقات الصحفيّة التي يقوم بها الطلاّب للتعريف بمدرستهم أو بيئتهم ، وكذلك مراسلاتهم مع المدارس الأُخرى ...

ولقد برهنت أبحاث علم النفس التربويّ الآن على صحّة ذلك وأنَّ الطفل يبني معارفه بنفسه . ويبقى دور أديب الأطفال أن يطّلعَ على كلّ مساهمات الأطفال الذاتيّة ويبني أدبه على أساسها ، فيكون بذلك قد صاغ قالباً تربويّاً هادفاً من خلال كتاباته المستندة لكتابات الأطفال وأفكارهم .. ومهما ادّعى كتّابُ الأطفال بأنّهم يعيشون حالة الطفل أثناء الكتابة وأنّهم لبّوا بكتاباتهم حاجات الطفل ، أو أنّهم استلهموا أفكارهم من الأطفال المحيطين بهم كأبنائهم مثلاً ، إلاّ أنّهم سيكونون بعيدين كلّ البعد عن ذلك ما لم تكن أفكارهم من نسجٍ طفوليّ .

وإلى هذا نستند لنقول بأنَّ كلّ إسقاطات الترجمة للأعمال الأجنبيّة على واقع أطفالنا لن تخدمَ قضيّتهم مهما حاولنا إضافة علامات الزخرفة ولفت الانتباه لأغراضٍ تسويقيّة .. وعلى هذا يصحُّ القول أيضاً بأنَّ كثيراً من الأعمال التي تصلنا بلا رقابةٍ أو قيود من بلادٍ عربيّة ، لا تناسبُ أطفالنا هنا نظراً لخصوصيّة المجتمعات ، والاختلاف في أساليب التربية الاجتماعيّة والرسميّة والأسريّة في كلّ بلدٍ ، فضلاً عن احتواء تلك الأعمال أحياناً على ألفاظٍ شعبيّة غير متداولة لدينا ، أو على وقائعَ اجتماعيّةٍ غير مقبولةٍ في مجتمعنا..

ومن جهة أُخرى ، هناك بعضٌ من الباحثين يركّزون على البعد الاجتماعيّ و أولويّته في بناء النظريّة التربويّة ، فالتربية في هذا المستوى متجلّيةٌ بأبعادها الاجتماعيّة ، وهي قضيّةٌ اجتماعيّةٌ يترتّبُ عليها أن تلعبَ دوراً جوهريّاً في صيرورة الحياة الاجتماعيّة والثقافيّة . والتربية في هذا المضمار هي نتاجٌ للتفاعل الثقافيّ والاجتماعيّ وهي في النهاية تجسيدٌ لطابع الحياة الاجتماعيّة بحيث أنّها تُنتجُ وتُعيدُ إنتاج الحياة بصورةٍ مستمرّةٍ . ومن هذا المنطلق ، فإنَّ عدداً من الكتّاب يؤكدون على أهميّة إعداد الطفل للحياة الاجتماعيّة عن طريق الآداب الطفليّة .. وهنا يحضرنا التساؤل عن مدى التزام هؤلاء بهذه الغاية ؟ وهل يجسّدُ أدبُهم المزعوم تعاليمَ اجتماعيّةً ؟ هل مظاهر العنف في كتاباتهم - وإن بدت و كأنّها حربٌ على الشر - تخدم هذه الغاية ؟

( ... تشقُّ بطن الذئب بسكّينٍ وتُخرجُ صغارها الذين ابتلعهم ثم تملأُ بطنه بالحجارة وتُخيطُه بالإبرة ! .... )

أو ( يا جلاّد ! اقطع رأس هذا الشرّير ! ) ؟

إذا اعتبرنا قانونيّاً أنَّ الطفل المعنيّ بأدب الأطفال هو كلُّ من تعلّم القراءة حتى بلوغه الثامنة عشرة سنةً من عمره ، فهذا يعني أنَّ طلاّبنا هم المعنيّون بذلك ، وأضيف إليهم كلَّ من يستمعُ إلى قراءةٍ تجري أمامه ممّن هم دون سنّ التعلّم وذلك استناداً إلى فرويد في بحثه حول أسباب جنوح الأطفال والمراهقين :

" إنَّ إقدامهم على ممارسة هذه الأعمال ، جاء على الأغلب نتيجة تأثّرهم بما سمعوه أو قرؤوه أو شاهدوه أو تراءى لهم أو تخيّلوه في سنٍّ مبكّرة ." وهنا يبرز الدور البنّاء الهدّام ، في آنٍ معاً، للأدب الموجّه للطفل على أنّه سلاحٌ ذو حدّين فيما يُعرف بالنظريّة النفسيّة المعرفيّة التي تهتمُّ بتطوّر العمليّات المعرفيّة عند الطفل مثل المحاكمة ، والتحليل ، وحلّ المشكلات ، وبناء التصوّرات ، وتشكيل المفاهيم والصور الذهنيّة ، وبناء الظواهر ما بعد المعرفيّة . كما وتهتمُّ هذه النظرية بالعمليّات داخل النفس ، وبالسلوك الناجم عن ذلك ، و بالآثار التي يتركها الوسط على التعليم ، ولا سيّما العلاقات الوظيفيّة التي توجد بين الوسط التربوي والسلوك عند الكائن الإنساني .

إنَّ قيم الأطفال في طور الطفولة المبكّرة وعاداتهم ، وطرق التعبير عن انفعالاتهم ، ووسائل إشباع رغباتهم، وحصيلتهم اللغويّة تختلف عن تلك التي يختصُّ بها الأطفال في طور الطفولة المتأخّرة . وإنَّ علاقة ثقافة الطفل في كلّ طورٍ بثقافة المجتمع هي ثقافة فرعيّة وجزءٌ من ثقافة المجتمع ، وهي تشارك الثقافةَ العامّةَ في صفاتٍ عديدةٍ ، ولكنّها لا تشكّلُ نسخةً مكررةً منها ، كما وأنّها لا تشكّل تصغيراً أو تبسيطاً لها، بل إنَّ لها كيانها المميّز. وإنَّ طرقَ الأطفال في التعبير عن عواطفهم ومهاراتهم المختلفة ،وطرقهم في التفكير والتّخيّل ، ومثلهم العليا ، ونتاجاتهم الفنّيّة ،وقصصهم وأغانيهم ، و الموسيقى التي تروق لهم ، وأوجه سلوكهم الأُخرى تختلف بمجملها عن تلك التي يختصُّ بها الكبار من حيث الدرجة بل ومن حيث النوع والاتّجاه . و للأطفال في كلّ مجتمعٍ مفرداتٌ لغويّةٌ خاصّةٌ ، وعاداتٌ ، وقيمٌ ، وطرقٌ خاصّةٌ في اللعب ،وأساليبُ خاصّةٌ في التعبير ، ومواقفُ ، وقدراتٌ ، إضافةً إلى ما لديهم من نتاجاتٍ فنّيّة و إبداعيّة ، وأزياءٍ ، و ما إلى ذلك ....

ومن هنا كان من الضروريّ شكلاً ومضموناً أن توضع على أغلفة الأعمال الموجّهة للأطفال عباراتٌ توضّح إلى أيِّ عمرٍ يوجّهُ هذا العمل أو ذاك مثل ( للأطفال دون السادسة ، خاص بأطفال الحلقة الأولى ....الخ) وذلك كشرطٍ أساسيّ لقبول الشكل النهائيّ للعمل المراد نشره ، ويقع ذلك على عاتق و مسؤوليّة الجهة المانحة لحقّ النشر .

إنَّ المتصفح لبعض كتب مناهج اللغة العربيّة في مراحلها المختلفة سيخلص حتما إلى نتيجة مفادها أنَّ كثيراً من القصص و القصائد لا تخدمُ أيّاً من الأغراض السابقة الذكر ، ومنها ما لا يمتُّ إلى الطفولة بصلة ! علماً أنَّ التراث الأدبيّ السوريّ تحديداً ، والمخصّص منه للأطفال غنيٌّ بكثير من الأسماء اللامعة في هذا المجال والتي تكاد مناهجنا تخلو من أيٍّ منها ، وأذكر هنا أسماء بعض الأديبات اللواتي جمعن بين دورهنّ كأمّهات مربّيات ودورهنّ كقاصّاتٍ للأطفال ، وعلى سبيل المثال لا الحصر : ليلى سالم ، دلال حاتم ، مريم خيربك ، لينا الكيلاني.....

وقد احتوت مؤلّفاتهنّ على مضامين اجتماعيّة وقوميّة وعلميّة وفنّيّة ورمزيّة وواقعيّة وتراثيّة، وركّز معظمها على موضوعٍ محبّبٍ لدى الطفل وهو أنسنة الحيوانات ..

ومن حيث المكتبة المدرسيّة التي أعتبرها جزءاً مكمّلاً للمنهاج ، حدّث ولا حرج ! فالكثير من مقتنياتها لا يصلح ليكون أدباً للأطفال نظراً لعدم مطابقته للشروط المذكورة سابقاً ، إضافةً إلى الأخطاء اللغويّة التي لم تخضع لتدقيقٍ ، والتي تتناقض مع البلاغات الوزاريّة المتلاحقة حول إلزام المدرّسين بالتحدّث باللغة العربيّة الفصحى خلال الدروس ! وكذلك فإنَّ الآليّة التي تُعتمدُ من خلالها عمليّة اقتناء الكتب يشوبها الغموض والحيرة : فعند شراء كتابٍ ما - حتّى من الجهات الرسميّة كالمركز الثقافي العربي مثلاً - يُلزمُ أمين المكتبة بقراءة محتواه والتوقيع على وثيقة بأنّه صالح للاقتناء على مسؤوليّته ! وهذا الإجراء، بحسب وجهة نظري ، لا يكفي لتقييمِ كتابٍ واعتماده ، بل ينبغي منطقيّاً أن يقوم بذلك لجنةٌ مختصّةٌ تتحمّلُ المسؤوليّة القانونيّة لاعتمادها الكتاب أو عدم اعتماده .

في النهاية ، ونظراً لما تقدّم ، نخلصُ إلى ضرورة تطبيق الأفكار التالية ، وصولاً إلى الهدف المنشود في بناء الجيل وتربيته تربيةً سليمةً ، والنهوض بأدب الطفل إلى أسمى المستويات :

1- رعاية الموهوبين في المجالات الأدبيّة من الأطفال أنفسهم ، و المتميّزين في مسابقات روّاد الطلائع والشبيبة ، وذلك عن طريق متابعة مواهبهم بإحداث مرحلةٍ تعليميّة في ما بعد التعليم الأساسي ، على غرار التعليم الفنّيّ والمهنيّ ( مدرسة واحدة على الأقل في كلّ محافظة ) .

2- إحداث تخصّصٍ في أقسام اللغة العربية في الجامعات السوريّة يعنى بدراسة أدب الطفل كمرحلةٍ تخصّصيّةٍ متفرّدة بإشراف اختصاصيّين جمعوا بين الخبرة في اللغة والخبرة في التربية . أو إحداث فرع خاص يُعنى بتدريس أدب الطفل .

3- تنفيذ رقابةٍ "نفسيّة تربويّة "على الأعمال الموجّهة للأطفال من القطاعين العامّ والخاصّ بما يشمل في ذلك الأعمال المستوردة .

4- إعادة النظر في منهاج اللغة العربيّة في مرحلة التعليم الأساسيّ بشكلٍ خاصٍّ ، لاسيّما ما يتعلّقُ بأدب الطفل .

راجياً أن أكون قد وُفّقتُ في الوصول إلى بحثٍ متكاملٍ .